اليمن - أعربت منظمة “صحفيات بلا قيود” عن بالغ قلقها إزاء تصاعد الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها المحتجزون والمختطفون في اليمن،
في ظل لجوء الجماعات المسلحة، بما فيها التشكيلات الامنية والعسكرية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، إلى استخدام السجون السرية ومراكز الاحتجاز غير القانونية كأدوات قمع سياسي وتصفية للمعارضين، كان آخرها ما تعرض له الناشط السياسي أنيس الجردمي في عدن، من اختطاف وتعذيب وإهمال طبي أفضى إلى وفاته في ظروف غامضة.
وأكدت المنظمة أن هذه الممارسات تمثل انتهاكاً صارخاً للضمانات المكفولة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وعلى رأسها الحق في الحياة، والسلامة الجسدية، والكرامة الإنسانية، والحق في المحاكمة العادلة.
وأشارت إلى أن الانتهاكات التي تمارسها هذه الجماعات تتسم بالمنهجية والتنظيم، وتشمل الاعتقال التعسفي، الإخفاء القسري، التعذيب النفسي والجسدي، وحرمان المحتجزين من الرعاية الطبية والضمانات القانونية الأساسية، في مراكز احتجاز غير رسمية، وسط تواطؤ أو تقاعس من جهات قضائية ونيابية، ما أسهم في ترسيخ الإفلات من العقاب ووفاة محتجزين في ظروف غامضة ترقى لجرائم بموجب القانون الدولي.
ورأت المنظمة أن قضية الجردمي تمثل دليلاً إضافياً على انهيار منظومة الحماية القانونية في اليمن، وتعكس استفحال سياسة الإفلات من العقاب وغياب المساءلة في جرائم التعذيب والقتل خارج نطاق القانون، سواء في عدن أو في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي.
أنيس الجردمي: وفاة تحت التعذيب وإخفاء قسري وحرمان من الكرامة الإنسانية
قالت منظمة “صحفيات بلا قيود”، استناداً إلى شهادات ميدانية موثقة ومعلومات تلقتها من فريقها الميداني، إن الناشط السياسي أنيس سعد ناصر الجردمي توفي صباح الإثنين 9 يونيو 2025، نتيجة تعرضه لتعذيب جسدي ونفسي ممنهج أثناء احتجازه لأكثر من شهرين في سجن معسكر النصر التابع لقوات الحزام الأمني في مديرية خور مكسر بالعاصمة المؤقتة عدن.
وأكدت المنظمة أن الجردمي احتجز في ظروف قاسية، وجرى عزله تماماً عن العالم الخارجي، ومنع من الاتصال بأسرته أو تعيين محام، وتعرض خلال فترة احتجازه لتعذيب شديد، ما أدى إلى تدهور حالته الصحية بشكل حاد. ووفقاً لإفادات، فقد تم نقله إلى مستشفى عبود العسكري بعد دخوله في غيبوبة، ثم جرى تحويله لاحقاً إلى المستشفى العربي الحديث في مديرية المنصورة، حيث فارق الحياة بعد يومين من دخوله قسم العناية المركزة.
و أوضحت المنظمة أن عشرات العناصر من قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي كانت قد اقتحمت، بتاريخ 1 أبريل 2025، منزل أنيس الجردمي في حي الدكة بمديرية البريقة بعدن، واعتقلته دون ان تبرز أمر قضائي أو توجيه رسمي، ونقلته إلى جهة مجهولة. وظل مخفياً قسراً لأكثر من عشرة أيام، دون تمكين أسرته من معرفة مكان احتجازه أو التواصل معه، ما يشكل جريمة إخفاء قسري بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
شرعنة الانتهاك: النيابة والحزام الأمني وتقويض مبدأ سيادة القانون
أكدت المنظمة أن واقعة اعتقال أنيس الجردمي تمثل انتهاكاً جسيماً لمبدأ الشرعية الإجرائية، ونموذجاً صارخاً للاحتجاز التعسفي والتلاعب بمسار العدالة، مستندة في ذلك إلى وثائق رسمية رصدتها، أبرزها مذكرة صادرة عن رئيس نيابة استئناف شمال عدن بتاريخ 1 أبريل 2025، موجهة إلى مدير عام شرطة عدن وقائد قوات الحزام الأمني بعدن، وتشير إلى تلقيه بلاغاً شفهياً من نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، يتهم الجردمي بالتحريض العلني على القتل، والسب والقذف، والتحريض على الفتنة والخروج عن النظام، مدعماً التسجيلات الصوتية التي أرفقها بطلب اتخاذ الإجراءات القانونية، رغم أن التوجيه لم يتضمن تحقيقاً أولياً أو محضر جمع استدلالات يبرر إصدار أمر قبض قهري.
وأوضحت المنظمة أن هذا التوجيه تضمن منح صلاحيات الضبط والإيداع لقوات الحزام الأمني، وهي جهة غير رسمية لا تمتلك أية صفة قانونية لتنفيذ الأوامر القضائية أو ممارسة مهام الضبط القضائي، مما يشكل انحرافاً خطيراً عن مقتضيات العدالة واستقلال القضاء. كما رصدت المنظمة مذكرة أخرى صادرة عن النيابة الجزائية المتخصصة، موجهة إلى قائد قوات الحزام الأمني، بتاريخ 28 مايو 2025 تطالب فيها بإيداع الجردمي لدى تلك القوات باعتباره “على ذمة النيابة”، وهو ما اعتبرته المنظمة مخالفة دستورية صارخة، تمثل اعترافاً بشرعية جماعة مسلحة خارجة عن الإطار المؤسسي للدولة.
وفي هذا السياق، تابعت المنظمة بياناً توضيحياً صادراً عن قوات الحزام الأمني بتاريخ 7 يونيو 2025، تزعم فيه أن عملية توقيف الجردمي تمت بموجب أمر قبض صادر عن نيابة الأمن والبحث، وأنه تم إيداعه على ذمة التحقيق بالتنسيق مع النيابة الجزائية، نافياً تعرضه للتعذيب، ومشيراً إلى نقله للمستشفى بعد تعرضه لعارض صحي طارئ. وقد اعتبرت المنظمة أن هذا البيان لا ينفي وقوع الانتهاكات بل يكرسها، حيث إن احتجاز الجردمي في معسكر النصر، وهو ليس مركز احتجاز رسمي، على ذمة جهة غير مخولة قانوناً، دون عرضه الفوري على النيابة أو منحه الضمانات القانونية اللازمة، يمثل احتجازاً تعسفياً بامتياز.
ورأت المنظمة أن مضمون البيان يعكس محاولة لإضفاء الطابع القانوني على واقعة احتجاز غير مشروعة من أصلها، عبر توظيف وثائق قضائية خارج سياقها، وتقديم سردية دفاعية تفتقر إلى أي تحقيق محايد أو دليل طبي مستقل. كما أن استخدام النيابة لعبارات مثل “إيداع المتهم لديكم” في مخاطباتها مع الحزام الأمني يعد دليلاً إضافياً على تواطؤ مؤسسي ضمني، ومؤشراً مقلقاً على تقويض سيادة القانون واستقلال القضاء.
كما شددت المنظمة على أن إصدار امر القبض القهري من قبل نيابة استئناف جنوب عدن، رغم أن الجردمي من سكان مديرية البريقة التي تقع ضمن اختصاص نيابة شمال عدن، يمثل خرقاً لمبدأ الاختصاص المكاني، ويفضح وجود خلل منهجي في أداء الأجهزة القضائية. وتؤكد المنظمة أن هذا التداخل في الاختصاصات، مع غياب أي رقابة على أماكن الاحتجاز، وتجاهل مذكرة النيابة الصادرة في 10 أبريل 2025 التي طالبت بإحالة الملف، يكشف عن منظومة قضائية مشلولة، تتواطأ مع الجماعات المسلحة، وتضفي غطاءً قانونياً زائفاً على ممارسات تنتهك حقوق الإنسان بشكل سافر.
وشددت المنظمة على أن هذا النمط من التواطؤ القضائي لا يخل فقط بمبدأ استقلال السلطة القضائية، بل يضع اليمن كدولة طرف في العديد من الاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، أمام مساءلة قانونية دولية، ويشكل إخلالاً جسيماً بالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، خاصة ما يتعلق بضمان سيادة القانون وحماية الأفراد من الاحتجاز التعسفي وسوء المعاملة.
استهداف على خلفية الرأي والانتماء السياسي
قالت المنظمة إن أنيس الجردمي كان معروفاً بمواقفه المنتقدة لسياسات المجلس الانتقالي الجنوبي، وترؤسه لمجلس “اتحاد الجنوب العربي”، وهو إطار سياسي مشكل حديثاً يطالب باستقلال القرار الجنوبي. وقد سبق أن تم اعتقاله في محافظة لحج بعد تنظيمه لفعالية سياسية سلمية في 11 فيراير 2025، وواجه حينها اتهامات ملفقة بالإرهاب، قبل أن يفرج عنه بضغوط قبلية. كما سبق ان قامت قوات الحزام الامني بمنعه من اقامة حفل اشهار لمكونه السياسي وقامت بمداهمة المكان وتفريق الحاضرين وطردهم.
وفي مقطع فيديو نشره الجردمي على صفحته بمنصة “فيسبوك” بتاريخ 22 مارس 2025، اطلعت عليه المنظمة، كشف الجردمي عن تعرضه للاختطاف والتعذيب في العام 2022 من قبل قوات تابعة للمجلس الانتقالي، على خلفية مناهضته لممارسات المجلس ، كما كشف عن تعرضه لاختطاف لاحق في العام 2024 من قبل قائد قوات الحزام بعدن جلال الربيعي ، مؤكداً انه لايزال يتلقى تهديدات بالاعتقال والتصفيه، منذ ذلك الحين، على خلفية نشاطه السياسي، ودوره المناهض لسياسة الإقصاء والتهميش التي يمارسها المجلس الإنتقالي ضد القوى الوطنيه حد وصفه.
اتهامات عائلية ومطالب بالمساءلة
قالت منظمة “صحفيات بلا قيود” إنها رصدت اتهامات صريحة من أسرة أنيس الجردمي، لقائد قوات الحزام الأمني بعدن جلال الربيعي بالوقوف وراء واقعة اعتقال الضحية وتعذيبه حتى الموت، مشيرة الى أن تلك الاتهامات وردت في منشور منسوب لحساب الضحية، يديره نجله حالياً، جاء فيه: “والدنا خرج من البيت حيا يرزق واستلمته جهة أمنية وأعادته لنا جثة هامدة”، كما شددت الأسرة على أن القضية تسلك مساراً قانونياً، وأنها لن تتنازل عن حقها في ملاحقة المتورطين، مشيرة إلى أن المتهمين، “وفي مقدمتهم جلال الربيعي، لن يفلتوا من العقاب”.
كما اطلعت المنظمة على مقطع فيديو يظهر شقيق الضحية خلال لقاء قبلي، كشف فيه عن تفاصيل لانتهاكات ارتكبت بحق الجردمي، منها تلقيه صفعات متكررة على وجهه من قبل الربيعي وحراسته، والتعرض للتعذيب حتى أثناء غيبوبته داخل المستشفى، وحرمانه من الغذاء والزيارة، مشيراً إلى أن الضحية “جلب ميتا إلى المستشفى، ثم تركت جثته في قسم العناية المركزة من العاشرة صباحاً حتى منتصف الليل دون أي إجراءات تذكر”، واصفاً ذلك بأنه “جريمة ثانية وإهانة لكرامة الإنسان”.
كما أطلعت المنظمة على بلاغ قبلي متداول موجه إلى النائب العام بتاريخ 7 يونيو 2025، صادر عن قبيلة الجردامة يتضمن استنكاراً شديد اللهجة لما تعرض له الجردمي من اعتقال تعسفي وتعذيب مهين من قبل جلال الربيعي وقوات الحزام الأمني في عدن، واعتبرت تلك الأفعال جرائم جسيمة تمس كرامة الإنسان وتمثل انتهاكاً فاضحاً للحقوق الأساسية، لا سيما أن الجردمي ظهر في أحد المقاطع المصورة وهو في غيبوبة تامة، موضوعاً في ما يعرف بـ”سلة الموتى”، ومربوط الفم حتى الرأس، فيما بدا محاولة لإظهاره كميت ضمن عدد من الجثث تمهيدا لدفنه حياً، وفق البلاغ.
وقد طالب البلاغ بفتح تحقيق جنائي عاجل ومستقل، ومحاسبة جلال الربيعي على ما نسب إليه من جرائم وانتهاكات، وإحالة ملف القضية إلى القضاء المختص، وضمان حماية الأسرة من أي تهديد أو انتقام لاحق، مؤكداً أن “كرامة الإنسان لا تمس، وسيادة القانون فوق الجميع”.
تصاعد مقلق في انتهاكات حقوق الإنسان على يد قوات المجلس الانتقالي في عدن
أكدت المنظمة أن حادثة وفاة أنيس الجردمي تندرج ضمن تصاعد مقلق وغير مسبوق للانتهاكات التي ترتكبها القوات التابعة للمجلس الانتقالي في عدن مؤخراً. حيث وثقت المنظمة سلسلة متواصلة من الانتهاكات الجسيمة منذ بداية عام 2025، شملت الاعتقالات التعسفية، والاختطافات، والاقتحامات المسلحة للمنازل، بالإضافة إلى حالات التعذيب داخل مراكز احتجاز سرية تقع تحت سيطرة قوات الحزام الأمني والتشكيلات الأمنية المتعددة التابعة للمجلس الانتقالي.
و أشارت المنظمة إلى تصاعد حملات القمع في مدينة عدن خلال الأشهر الأخيرة، والتي استهدفت النساء والأطفال والناشطين والصحفيين والنقابيين والمواطنين المشاركين في احتجاجات سلمية أو المعبرين عن آرائهم.
ولفتت إلى استخدام القوات الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي القوة المفرطة في مواجهة المتظاهرين، واحتجازها بعضهم في أماكن غير رسمية دون محاكمات، مما حرمهم من أبسط حقوقهم القانونية وتعرضوا فيه للتعذيب وسوء المعاملة.
كما رصدت المنظمة تصعيداً واضحاً في الانتهاكات ضد الصحفيين والناشطين، إلى جانب الممارسات المهينة التي تعرض لها النساء والأطفال، من اعتداءات جسدية ومداهمات واعتقالات تعسفية، في إطار سياسة ممنهجة تهدف إلى قمع الحريات وتكميم الأفواه
مغادرة عدن هروباً من التضييق واستهداف حرية التعبير
وفي ظل هذا التصعيد الخطير لتضييق الحريات، علمت المنظمة أن ناشطة وفنان غادرا مدينة عدن خلال الأيام الماضية، نتيجة المضايقات المتزايدة التي طالت ناشطي الحريات والتعبير. فقد تعرضت الناشطة صابرين جلال للاستدعاء للتحقيق أمام نيابة الصحافة والمطبوعات، عقب تقديم شكوى من شرطة محافظة عدن ضدها نتيجة نشاطها الإعلامي الداعم للاحتجاجات الشعبية التي شهدتها المدينة مؤخراً. كما تعرض الفنان واليوتيوبر مصطفى الحسني للاعتقال بعد نشره فيديو ينتقد فيه تدهور الخدمات والأوضاع المعيشية في عدن، وأُفرج عنه بعد أيام بعد تقديمه تعهداً بعدم التكرار.
هذه الحالات تعكس بوضوح التحول الخطير لمدينة عدن إلى بيئة معادية لحرية التعبير، حيث تضيق السلطات الامنية و الجماعات الملسحة على الناشطين والصحفيين، وتفرض قيوداً شديدة على حق المواطنين في التعبير عن آرائهم، مما دفع البعض إلى مغادرة المدينة هروباً من الملاحقة والقمع.
بين صنعاء وعدن: موت تحت التعذيب وانهيار الضمانات
في سياق تصاعد الانتهاكات الممنهجة التي ترتكبها الجماعات المسلحة بحق المختطفين والمعتقلين قسراً في اليمن، توفي المختطف مسعد الضحياني في سجون مليشيا الحوثي بصنعاء مطلع يونيو 2025، بعد خمسة أعوام من الاختطاف والحرمان من أبسط حقوقه الأساسية. وخلال فترة احتجازه، تعرض الضحياني وفق تقارير لتعذيب جسدي ونفسي ممنهج، إضافة إلى حرمانه من الرعاية الطبية اللازمة، في انتهاك صارخ للقوانين الوطنية والدولية.
وأكدت المنظمة أن هذه الوفاة تأتي وسط تصاعد مقلق لحالات وفاة المختطفين في سجون مليشيا الحوثي، نتيجة سوء المعاملة والتعذيب المتكرر، ونقص الرعاية الطبية، وانعدام الضمانات القانونية. وكانت من بين الحالات البارزة وفاة الموظف في برنامج الغذاء العالمي احمد باعلوي مؤخراً في ظروف مشابهة.
تشير تقارير حقوقية إلى أن ما يقرب من 395 معتقلاً توفوا داخل سجون المليشيا أو فور خروجهم منها، بسبب التدهور الصحي الناجم عن المعاملة السيئة والتعذيب المستمر.
أكدت المنظمة أن هذه الانتهاكات تتواصل في سياق تفشي الإفلات من العقاب في عدة مناطق يمنية، حيث تتكرر ممارسات التعذيب والاحتجاز التعسفي في مراكز احتجاز غير قانونية، مما يشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان. وتعد هذه الانتهاكات دليلاً قاطعاً على التدهور الخطير الذي تشهده منظومة حقوق الإنسان في اليمن، وتعكس الفشل الكامل في توفير آليات فعالة للمساءلة والرقابة، مما يكرس حالة من الإفلات من العقاب ويعمّق أزمة الانتهاكات.
جرائم تعذيب مفضية إلى الموت في سجون جماعات مسلحة: مسؤولية جنائية وانهيار للحماية القانونية
أكدت منظمة “صحفيات بلا قيود” أن ما تعرض له الناشط السياسي أنيس الجردمي، يمثل انتهاكاً مركباً وجسيماً لأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، ويشكل جريمة ضد الإنسانية وفق المادة (7) من نظام روما الأساسي.
وأشارت المنظمة إلى أن الاعتقال والإخفاء القسري ينتهكان المادة (9) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة (1) من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، في حين أن واقعة التعذيب تمثل خرقاً صارخاً للمادة (2) من اتفاقية مناهضة التعذيب والمادة (5) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
كما أكدت أن الإهمال الطبي والامتناع عن تقديم الرعاية العاجلة يشكلان انتهاكاً للحق في الحياة والكرامة المنصوص عليهما في المادتين (6) و(10) من العهد الدولي، وقد يرقى إلى القتل غير المشروع نتيجة الإهمال.
وأضافت أن احتجازه في معسكر غير خاضع للرقابة القضائية يعد شكلاً من أشكال الاحتجاز غير القانوني الذي يتعارض مع قواعد نيلسون مانديلا، وأن تحويل ملف قضيته إلى نيابة غير مختصة، وتنفيذ إجراءات قانونية بواسطة تشكيلات مسلحة، يمثل انتهاكاً لمبدأ استقلال القضاء ومبدأ الشرعية الإجرائية.
كما خلصت المنظمة إلى أن وفاة الجردمي في هذا السياق تعد جريمة قتل خارج نطاق القانون تستوجب تحقيقاً دولياً مستقلاً، وأن استهدافه بسبب آرائه السياسية ومواقفه المعارضة يشكل قمعاً ممنهجاً لحرية الرأي والتعبير، المكفولة دولياً بموجب المادة (19) من العهد الدولي.
في ذات السياق، أكدت المنظمة أن ما تعرض له مسعد الضحياني من اختطاف تعسفي واحتجاز مطول دون تهم أو محاكمة، ثم وفاته تحت التعذيب والإهمال الطبي، يعد امتداداً لنمط ممنهج تنتهجه مليشيا الحوثي في تعاملها مع المختطفين.
واعتبرت المنظمة أن هذه الجريمة تمثل نموذجاً لجريمة قتل خارج نطاق القانون، ترتكبها المليشيا بصورة متكررة داخل سجونها، في انتهاك صارخ للحق في الحياة والكرامة الإنسانية، وللضمانات الأساسية المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب.
وأكدت أن استمرار هذه الممارسات وتكرارها دون مساءلة يعكس سياسة عقابية منظمة تهدف إلى قمع الأصوات المستقلة وترهيب المجتمع، ويؤشر إلى انهيار منظومة العدالة وغياب أي رقابة قضائية في مناطق سيطرة المليشيا، الأمر الذي يفرض ضرورة فتح تحقيق دولي عاجل ومساءلة جنائية لكل المتورطين في هذه الانتهاكات الجسيمة التي لا تسقط بالتقادم.
“صحفيات بلاقيود” تدين جرائم التعذيب وتدعو لتحقيق دولي في وفاة الجردمي والضحياني
أدانت منظمة “صحفيات بلا قيود” بأشد العبارات جرائم التعذيب المفضي إلى الموت التي أودت بحياة الناشط السياسي أنيس الجردمي في سجون قوات الحزام الأمني بعدن، والمواطن مسعد الضحياني في سجون مليشيا الحوثي بصنعاء، مؤكدة أن ما جرى يمثل نمطاً ممنهجاً من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ترتقي إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية.
وأكدت المنظمة أن الحالتين تعكسان انهياراً شاملاً لمنظومة الحماية القانونية في البلاد، حيث تتعرض فئات واسعة من المحتجزين والمخفيين قسراً للتعذيب، والمعاملة القاسية، والحرمان من الرعاية الطبية، في ظل إفلات تام من العقاب وتواطؤ جهات قضائية وأمنية مع الجهات المنتهِكة.
و دعت المنظمة المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، وكافة الآليات الأممية المعنية بمناهضة التعذيب وحالات الإخفاء القسري، إلى فتح تحقيق دولي عاجل، مستقل وشفاف، في ملابسات وفاة أنيس الجردمي ومسعد الضحياني، ومحاسبة جميع المتورطين في هذه الجرائم، بمن فيهم المسؤولون في المؤسسات القضائية والنيابية الذين تواطؤوا أو وفّروا غطاءً قانونياً لتلك الانتهاكات، سواء في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي أو تلك الخاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي.
كما شددت المنظمة على ضرورة فتح تحقيقات شاملة في جميع حالات الوفاة المشبوهة داخل مراكز الاحتجاز والسجون غير الرسمية في اليمن، مطالبة بالكشف عن أماكن الاحتجاز السرية، وإغلاقها، وضمان خضوع كافة مراكز الاحتجاز لرقابة قضائية محايدة وفعالة.
وأكدت أن استمرار تواطؤ الأجهزة القضائية والنيابات العامة مع الجهات المنتهكة - سواء في عدن أو صنعاء - يسهم في ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب، ويقوض أسس العدالة وسيادة القانون، مشيرة إلى أن هذا التواطؤ المؤسسي يشكل بحد ذاته انتهاكاً لالتزامات اليمن القانونية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وفي ختام بيانها، حذرت “صحفيات بلا قيود” من أن الصمت الدولي المستمر تجاه هذه الجرائم والانتهاكات المنظمة، لن يؤدي سوى إلى سقوط المزيد من الضحايا، وتعميق مأساة حقوق الإنسان في اليمن، داعية المجتمع الدولي ومؤسساته الحقوقية إلى تحمل مسؤولياتهم القانونية والإنسانية، واتخاذ خطوات جادة لإيقاف هذه الجرائم، وتحقيق العدالة للضحايا، وإنهاء حالة الإفلات من العقاب.
