اليمن - تتابع منظمة "صحفيات بلا قيود" بقلق بالغ تصاعد وتيرة الانتهاكات التي ترتكبها مليشيا الحوثي بحق الحريات العامة في محافظة ذمار
، والتي تستهدف بشكل منهجي النشطاء المدنيين والصحفيين والمثقفين والفنانين، في إطار سياسة قمعية منظمة تهدف إلى إسكات الأصوات الحرة وتجريم مظاهر التعبير السلمي عن الهوية الوطنية والانتماء للجمهورية اليمنية.
ووفقاً للمعلومات التي تلقتها المنظمة، فقد جرى اختطاف الناشط المدني محمد محمد صالح اليفاعي بتاريخ 15 مايو 2025 من قبل جهاز البحث الجنائي التابع لمليشيا الحوثي، على خلفية نشاطه السلمي الداعي إلى رفع العلم الوطني فوق المباني والمؤسسات الحكومية خلال المناسبات الوطنية، تزامناً مع ذكرى 22 مايو، عيد الوحدة اليمنية.
وكان اليفاعي قد عبر عن هذه الدعوة من خلال منشورات على صفحته في منصة "فيسبوك". وقد تم اقتياده عقب ذلك إلى أحد مقار الاحتجاز التابعة لجهاز البحث الجنائي، دون إخطار رسمي أو السماح له بالتواصل مع أسرته أو محاميه، في انتهاك صارخ لحقوقه القانونية، ما يعتبر جريمة إخفاء قسري مكتملة الأركان وفقاً لما تقرره المعايير الدولية، وعلى رأسها الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري
وفي السياق ذاته، اعتُقل الكاتب عبد الوهاب الحراسي في 17 مايو 2025 داخل مقر البحث الجنائي أثناء محاولته زيارة اليفاعي، حيث تعرض للإهانة اللفظية ومصادرة هاتفه الشخصي، وأُغمي عليه نتيجة تدهور حالته الصحية، إلا أنه لم ينقل إلى المستشفى، بل أُودع رهن الاعتقال في ظروف غير إنسانية. وتشير المنظمة إلى أن هذا الاعتقال يعد الثالث بحق الحراسي خلال عدة اشهر، حيث سبق أن اعتقل في مارس الماضي بسبب آرائه وانتقاداته العلنية لانتهاكات حقوق الإنسان عبر منشوراته على فيسبوك، كما جرى اختطافه في سبتمبر 2024 خلال حملة استهدفت ناشطين على خلفية مشاركتهم في إحياء ذكرى ثورة 26 سبتمبر.
كما شملت حملة القمع الجارية في ذمار الصحفي فؤاد النهاري، الذي تعرّض لمحاولة اعتقال تعسفية بتاريخ 15 مايو 2025، حين داهمت قوات البحث الجنائي منزله في محافظة ذمار، وغادرت بعد التأكد من عدم تواجده. وجاءت هذه المحاولة عقب تقديمه بلاغاً رسمياً إلى الجهات الأمنية بشأن تلقيه تهديداً صريحاً بالتصفية الجسدية من مصدر مجهول، إلا أن تلك الجهات لم تفتح تحقيقاً في البلاغ، بل اتخذت إجراءات مداهمة منزله في محاولة لإسكاته وملاحقته. وكانت مليشيا الحوثي قد اختطفت النهاري في سبتمبر 2024، على خلفية نشاطه الصحفي، وأُفرج عنه بعد مرور شهر على احتجازه القسري.
تؤكد منظمة "صحفيات بلا قيود" أن التصعيد المستمر في محافظة ذمار يعكس نهجاً قمعياً متعمداً تنتهجه مليشيا الحوثي في مختلف مناطق سيطرتها، يستهدف النشطاء المدنيين والصحفيين والمثقفين والفنانين، وكل من يعبر سلمياً عن انتمائه الوطني أو تمسكه بالهوية الجمهورية.
وتشير المنظمة الى ان هذه الممارسات تندرج ضمن سلسلة من الانتهاكات المتصاعدة التي تنوعت بين الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتضييق على الحريات الثقافية والعامة، ومن ذلك اعتقال الفنان خليل فرحان في ذمار قبل أسابيع بسبب أدائه لأغانٍ وطنية في مناسبة اجتماعية، قبل الإفراج عنه لاحقاً، في واقعة تكشف مدى القمع المفروض على حرية التعبير الفني المرتبط بالهوية الوطنية.
وتبرز المنظمة أن هذه الممارسات تمثل امتداداً لنمط متصاعد من الانتهاكات، حيث شهدت عدة محافظات خاضعة لسيطرة الحوثيين، في سبتمبر الماضي، حملات قمع واسعة تزامنت مع الاحتفالات الشعبية بثورة 26 سبتمبر، تم خلالها اعتقال عشرات المواطنين لمجرد رفعهم علم الجمهورية اليمنية أو ترديدهم الأناشيد الوطنية، في محاولة ممنهجة لتجريم مظاهر الانتماء الوطني الجمهوري، وفرض هوية أيديولوجية قسرية تتنافى مع مبادئ التعددية والدولة المدنية.
تؤكد "صحفيات بلا قيود" أن اختطاف الناشط المدني محمد اليفاعي، والاعتقالات والمضايقات المتكررة التي تعرض لها الصحفي فؤاد النهاري والكاتب عبد الوهاب الحراسي، تشكل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان المكفولة دولياً، منها الحق في الحرية والأمان الشخصي، وحرية الرأي والتعبير، والحماية من الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، مخالفةً بذلك المادتين (9) و(19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، إضافة إلى الاتفاقية الدولية لمكافحة الاختفاء القسري.
تدين منظمة "صحفيات بلا قيود" بأشد العبارات الانتهاكات المتواصلة التي ترتكبها مليشيا الحوثي بحق النشطاء المدنيين والصحفيين والمثقفين والفنانين في محافظة ذمار، وفي باقي المحافظات والمناطق الواقعة تحت سيطرتها،محملةً مليشيا الحوثي المسؤولية الكاملة عن هذه الانتهاكات.
تطالب المنظمة بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الناشط المدني محمد اليفاعي، والكاتب عبد الوهاب الحراسي، وضمان سلامتهما الجسدية والنفسية، كما تطالب بضمان حماية الصحفي فؤاد النهاري، وتأمين حقه في ممارسة عمله الصحفي بحرية وأمان، دون تعرضه لأي شكل من أشكال الملاحقة أو التهديد أو المضايقات الأمنية، مؤكدة أن استهداف الصحفيين يمثل انتهاكاً صارخاً لحرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير المكفولتين بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
تدعو المنظمة المبعوث الأممي إلى اليمن، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، وكافة آليات الأمم المتحدة ذات الصلة، إلى التدخل والضغط على مليشيا الحوثي لوقف هذه الانتهاكات الجسيمة، كما تدعوهم إلى فتح تحقيقات دولية مستقلة وشفافة في تلك الوقائع، بما يضمن محاسبة المسؤولين عنها وعدم إفلاتهم من العقاب.
ختاماً، تجدد "صحفيات بلا قيود" التزامها الكامل برصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، والعمل عبر الآليات الدولية والإقليمية لمناصرة الضحايا وكشف الانتهاكات، بما يعزز من فرص مساءلة مرتكبيها، ويدفع باتجاه توفير حماية دولية فاعلة للنشطاء والصحفيين، في ظل استمرار واقع القمع وانهيار منظومة العدالة في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي.
